فساد النظام القضائي
تحالف متحدون:
من أوّل مدّعٍ ومحامٍ في ملف الأخوين سلامة أمام قاضي التحقيق إلى مطلوب بمذكرة توقيف: لمَ كل هذا التحامل والتجنّي على رامي علّيق؟!
هل يُعقل أن يكرّس "القضاء اللبناني" نفسه حامياً للمجرمين الفاسدين ومنكّلاً بكل مظلوم وكاشف ومكافح للفساد والجميع يتفرّج وأولهم قضاة لبنان؟
عسانا نستذكر ما جرى التداول به على صعيد السخرية لدى اندلاع انتفاضة تشرين: المجرم الفاسد يشتري الذمم ويسرح ويمرح حراً، والضحية وكاشفو الفساد ومكافحوه خلف القضبان! وهل ارتضينا على أنفسنا هذا الهوان والسقوط لنستحق معه غضب الأرض والسماء؟!
ما نعرضه ها هنا، وببالغ الحزن والأسف، هو قصة تستحق تسميتها بـ "قضية القضايا"، لما تبيّنه من حال مزرية من تقبّل الظلم والسكوت عن الحق بتنا عليها. البداية كانت مع مؤسس "تحالف متحدون ضد الفساد" المحامي الدكتور رامي علّيق الذي كان أول من تقدّم ورفاقه، انطلاقاً من حسّ المسؤولية لديهم كمواطنين قبل أي شيء آخر، بتاريخ 2 شباط 2021 بالشكوى والوقائع الثابتة نفسها التي شملتها التحقيقات المحلية والدولية كما وتقرير "الخزانة الأميركية"، أمام النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، والتي كانت كلّفتهم في قرار تمهيدي حينها إنجاز الترجمة من الفرنسية والإنكليزية إلى العربية لعشرات النصوص المتضمّنة أدلة حسّاسة وقاطعة أرفِقت بالشكوى، قبل أن تخفيها عون بالكامل ويعجز المدّعون حتى عن الاستحصال على مجرّد "إفادة قلمية بمصير الدعوى" كأبسط حق قضائي لهم، وقبل أن توظّف مضمونها في أبشع استغلال سياسي لقضية المودعين، وفي استخدام الضغط الممارس على عدد من موظفي مصرف لبنان ومصرفيين وصيارفة وناقلي ومهرّبي أموال مدّعى عليهم، إثر استجوابهم بإدارة أطراف في السياسة وبخديعة المحامين المدّعين واستبدالهم بآخرين عبر "تزوير قضائي" موصوف، لعقد صفقات مريبة متعلقة بملف الدعوى، كما سواها، ما حدا بالمدَعين التقدُم بشكاوى ضدها وغيرها من القضاة أمام هيئة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى، من دون أي تصدٍّ منهما ولا من قبل النيابة العامة التمييزية لتصويب أي من الإجراءات الخطيرة الباطلة المشكو منها!
رغم كل ذلك، لم يقف المدّعون عند هذا الحد. ففي آذار 2023 استحصلوا على معطيات ومستندات جديدة ذات صلة تتعلق بتبييض أموال تصل في جزء منها إلى 10 مليار دولار بين لبنان وقبرص والمملكة المتحدة متصلة بالمدعى عليهم وشركائهم بشكل مباشر وغير مباشر، كانوا تقدّموا بها أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت آنذاك شربل أبو سمرا مع نسخة عن الشكوى الأساسية، تبعاً لتولّيه ملف الادعاء اللبناني والتحقيقات الأوروبية المتصلة به.
"حضوركم التحقيقات كفريق مدّعً أساسي حقّ ثابت لكم"، كان جواب أبو سمرا لمحامي التحالف لدى مراجعته إبان وصول القضاة الأوروبيين. لكن شيئاً من هذا لم يحصل، وكذلك بقيت الشكاوى أمام هيئة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية حبراً على ورق ولا من إجراءات تصويب أو أخرى رادعة!
لم تعد الأدلة الدامغة بتورّط "الأخوين سلامة" وندي سلامة ومصرف لبنان وعدد من القيّمين على المصارف وجمعيتهم وشركات الصيرفة ونقل وتهريب "أموال المودعين"، "فوري أسوسييت" (Forry) و"اوبتيموم إنفست" (Optimum) وويسترن يونيون (ًWestern Union OMT) و"لي بنك" (LIBANK) إلخ. خافية على أحد، فامتهان تهريب وتبييض الأموال تخطى كل الحدود التي لم يجدِ معها نفي كان صدر عن "المصرف الاستثماري" لي بنك بتاريخ 16 آذار 2023: "زج اسمه من ضمن أربع شركات جديدة تربط الأخوين سلامة وأعوانهما بتبييض الأموال".
ورغم كل ذلك أيضاً، لم يستسلم علّيق ومحامو التحالف ورغم ما شهدوه من "خيانة موصوفة" من قضاة ليمينهم ولأمانة الحكم "باسم الشعب اللبناني" لما جرى، وقرّروا إعادة الكرّة مع قاضي التحقيق الأول في بيروت بالتكليف بلال حلاوي – ومن ورائه النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر لصلة العمل بينهما – الذي وجد ملف الشكوى المنوّه عنها سبيله إليه، وملفات أخرى تمّت "فبركتها" بحق علّيق مع رابط أساسي بينها: "التزوير القضائي" المبني على كيدية وتحامل وتجنٍّ عقاباً لعلّيق على إصراره على كشف ومكافحة الفساد بصوت مدوٍّ حين صمت الجميع!
النتيجة: جرائم فساد مصرفي ومالي خطيرة تمسّ بالأمن المالي والاقتصادي والطبي والغذائي والتعليمي، مستمرة ومتمادية ومتفاقمة أضرارها ولا من إجراءات فعلية، احترازية أو رادعة: لا منع سفر؛ لا بلاغات بحث وتحرًّ؛ لا منع تصرف بأموال تفوح منها رائحة الجريمة حتى النخاع؛ لا مذكرات توقيف؛ لا استعادة لأموال المودعين واللبنانيين.
وفي المقابل: منع سفر؛ حجز جواز سفر؛ بلاغا بحث وتحرٍّ؛ اختطاف؛ حجز حرّية؛ مذكرة توقيف؛ كلها لا تراعي أي "أصول قضائية" ولا تجد قاضٍ مسؤول يتبنّاها، والأكثر أسفاً هي التهمة الحقيقية: كشف ومكافحة الفساد!
فهل يخيب أمل علّيق ورفاقه، وكل المودعين واللبنانيين، هذه المرّة أيضاً؟ أم أنهم يجدون في أعماق قاضٍ ولو واحد مكاناً لضمير حيّ؟
وأي قضاء يريده اللبنانيون؟ وأي ثورة على القضاء الفاسد يريدون، وفي مقدّمتهم أصحاب الشأن: قضاة لبنان؟!
"يكفي أن يكون لك جناحان لتحلّق، وعقل لتفكّر، وقلب كي تحب، فتسير على طريق النحل؛ الدرب الذي لا يتنهي، درب تحدّي المغريات ومقاومة المنافع لأجل لبنان". يبقى الأمل كبيراً بمن يليقون بلبنان ويليق بهم.
الأكثر قراءة